قدمت المفكرة الألمانية إيريكا فيشر ليتشه المحاضرة الافتتاحية الأولى لفعاليات الندوة الدولية طنجة المشهدية في دورتها السادسة عشر، مساء أمس الجمعة، مباشرة من مكتبها ببرلين عبر تطبيق زوم.
هذه المحاضرة التي حظيت بمتابعة وتفاعل المشاركين في دورة هذه السنة، تناولت فيها إريكا فيشر موضوع فرجات الشارع بوصفها فضاء زمنيا عصيا، مستهلة مداخلتها بتوضيح أساس، مفاهده بناء مداخلتها انطلاقا من ثلاث عروض مسرحية؛ الأول معنون بآلام المسح، المقدم في القرنين الخامس والسادس عشر، والثاني المعنون بـ”اقتحام قصر الشتاء” المقدم بـسان بطرسبرغ سنة 1920، والثالث المعنون بـ”أرجوك أحب النمسا” لـ” كريستوف شلينجينسيف Christoph Schlingensief” المقدم في القرن الحالي.
أشارت إيركا فيشر إلى أنه في عديد من المدن، طالما اتُّخذت الشوارع والفضاءات العامة الأخرى مواقع فرجة بارزة، وبخاصة خلال أوقات معينة من العام تَسِمُ المناسبات الخاصة. كان هذا صحيحا بغض النظر عما إذا كانت المباني قد انتصبت لاحتضان عروض أخرى موازية، مثل مباني المسرح والمسارح في الهواء الطلق والساحات وغيرها. ويؤدي هذا إلى التساؤل عن سبب اختيار مكان معين فضاءً للفرجة وعن نوع التحول الذي طاله. وعلى سبيل التقديم لموضوع محاضرتنا هذه، تقول إيريكا فيشر: سأناقش ثلاثة أمثلة مختلفة للغاية من تاريخ المسرح الأوروبي – أولها مسرحيات الأسرار mystery plays في العصور الوسطى؛ ثانياً، العروض الجماهيرية التي قُدِّمت بعد الثورة الروسية في أوائل القرن العشرين، وأخيرًا، عرض معاصر واحد.
وبعد تقديمها لتفصيل دقيق حول الطريقة التي قدمت بها العروض الثلاثة، ووقفها عند أشكال تفاعل المؤدين مع الجهور، كيف يتحول الفضاء الفرجوي إلى فضاء سياسي.. خلصت في الختام إلى أنه في كل فرجة من فرجات الشارع التي تمت مناقشتها حتى الآن، كانت المصلحة العامة على المحك:
- خلاص لسكان المدينة townspeople، إن لم يكن للبشر ككل؛
- انتصار المظلومين على مستغليهم ومضطهديهم؛
- طريقة إنسانية للتعامل مع المحتاجين، واللاجئين، في دولة رفاهية مثل النمسا.
ونظرًا لأن جميع العروض كانت تتعامل مع مصلحة عامة، تقول فيشر أنه يبدو من المنطقي تمامًا ألا تنظم الفرجة في أماكن منعزلة يتطلب الدخول إليها التذاكرَ مثل مباني المسارح أو قاعات المدينة أو الأماكن الأخرى التي عادة ما تكون مفتوحة فقط لشريحة معينة من السكان، إنما كانت الفرجة لاستعادة المجال العمومي – ساحة السوق ، بوصفها مساحة مشتركة للاهتمام اليومي؛ حيث الساحة توجد قبالة قصر الشتاء، مقرِّ الظالم السابق الذي كان بعيدًا عن متناول الجمهور؛ وأخيرًا، حيث الساحة تقع أمام الأوبرا ، التي هي مؤسسة فنية لما يسمى بالنخبة – ، أي الطبقة الوسطى المتعلمة.
وتضيف قائلة: ترك العمل في هذه المواقع المعينة بصمة عليها. طوال مدة الفرجة ، حُوِّلت كل منها بطريقة خاصة. لقد تحولت إلى مكان آخر، أي فضاء عصيٍّ (هيروتوبيا). كشفت المشاركة في تلك العروض عن إمكانات الساحات المعنية باعتبارها فضاء عصيا (هيروتوبيا) عبر تغيير الأشخاص الذين شاركوا فيها – “الممثلين” وكذلك “المتفرجين”. يمكننا استخلاص هذا الاستنتاج ليس فقط من الأقوال المبرمجة للمنظِّين، ولكن أيضًا أو أكثر من ذلك، من شهادات المتفرجين. لقد استُغِلت الإمكانات التحويلية الكامنة في مثل هذه الأماكن العامة عند استخدامها مواقعَ للعروض في السنوات الماضية في أجزاء كثيرة من العالم بطرق مختلفة ولأغراض سياسية متباينة. مشيرة في ختام مداخلتها إلى أنها تتطلع إلى العروض التقديمية التالية التي ستبرز وتحدد الاحتمالات العديدة لكيفية عمل عروض الشوارع بوصفها فضاءات عصية heterotopias (هيروتوبيا).