المحاضرة الافتتاحية الثانية لفعاليات الندوة الدولية طنجة للفنون المشهدية في دورة “فرجات الشارع والأماكن الأخرى” (الدورة 16) كانت من توقيع الدكتور حسن اليوسفي. حيث خصَّ محاضرته هذه بتركيزه على موضوع جديد، ويتعلق الأمر بـ”أدائية الدعاة الجدد في الولائم والمآتم”. مركزا في مداخلته على نموذجين اثنين من الدعاة الذين سطع نجمهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب، ويتعلق الأمر بالشيخ عليوي، والشيخ رضوان.
وحول هذه الظاهرة الأدائية، أدائية الدعاة الجدد، يقول حسن اليوسفي: “مثلما خرج المسرح من البناية، خرجت الموعظة من فضاءاتها الأصلية، أي المساجد، لتعانق أماكن اجتماعية أخرى، أبرزها ما يمكن تسميته بـ”الفضاءات الأليفة أو المنزلية Espaces domestiques، ونقصد بها صالونات الضيوف في البيوت الخاصة، وخيام متعهدي الحفلات والمآتم، أو بالأحرى الشقق والمنازل والفيلات التي تسكنها مختلف الفئات الاجتماعية”. ويضيف موضحا: “إن خروج المسرح نحو فضاءات مغايرة للقاعة يندرج في سياق تحولات اجتماعية وفرجوية أملتها حِراكات أو موجات فنية، واتخذ فيها المسرح واجهة للنضال، أو الاحتجاج في الفضاء العام، أو بديلا لخلق فرجات مفتوحة متعددة الأبعاد. أما خروج الموعظة (ونقصد بها إلقاء درس ديني أو خطاب وعظي عام في تجمع بشري) نحو فضاءات أخرى، فجاء بموازاة موجة جديدة في التعاطي مع الدين في المجتمع المعاصر، حيث نشوء نوع من “التدين الشعبي” المنزاح عن صورة الدين كما يمارس وينظر له في دور العبادة،لاسيما منها المساجد، حيث الخطاب الوعظي الممأسس، والمسيج بقدسية المكان وهيبة الواعظ. إن خروج الموعظة نحو الفضاءات الأليفة واكبه ظهور موجة من الدعاة الجدد، بمواصفات خاصة مخالفة لصورة الفقيه التقليدي، حيث استغل هؤلاء، لدواع متنوعة، قوة حضورهم في الأفراح والمآتم لبلورة خطابات وعظية برزت فيها بشكل بارز مواصفات” الأدائية Performativité “، بدءا من البروفايل المختلف للداعية/ الواعظ، مظهرا وخطابا وسلوكا ومعرفة، مرورا بما يستثمره من عناصر فرجوية فردية، يتضايف فيها الخطاب الديني مع السرد والسخرية والدعابة والحركة المعبرة والأداء الصوتي المميز. فالموعظة باتت تخلق سيرورات خاصة في الإنتاج والتلقي الدينيين والفرجويين. هذه العناصر وتداعياتها المعرفية هي ما ستحاول الورقة تفكيكه، في ضوء مايقترحه مبحث “دراسات الفرجة” من مفاهيم ومقاربات”.