نظم المركز الدولي لدراسات الفرجة خلال الفترة الممتدة ما بين 24 و28 نونبر 2017، الدورة الثالثة عشر من مهرجانه السنوي “مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية” Performing Tangier بطنجة تطوان. وعلى غرار السنوات الماضية، فقد حرص المركز الدولي لدراسات الفرجة أن يُحافظ المهرجان على أركانه الثلاثة: الندوة العلمية الدولية، فرجات مسرحية، أدائية من المغرب ومن خارج المغرب، ورشات تكوينية حول تيمة الدورة الأساس.
وقد تمحور موضوع نقاش هذه السنة حول الأسئلة المتعلقة بـ”الأشكال المسرحية المهاجرة”، في محاولة لمواصلة اجتراح بعض الأسئلة المتعلقة بفنون الفرجة، لإبراز مواقف مغايرة تنادي بضرورة إيجاد خطاب ومعجم يكشف عن حقيقة التفاعلات المربكة للأشكال المسرحية المهاجرة. ويمكن تفسير هذا الطموح الجديد برغبة ملحة لإعادة مساءلة مختلف العلاقات التي ربطت بين المسرح العربي ونظيره الغربي، وأيضا البحث عن معجم أو “مصطلحات جديدة” تُقِر بضرورة إعادة إلقاء نظرة كارتوغرافية على التوزيع والانتشار الجغرافي-الثقافي حول العالم؛ حيث تتم مقاربة الإبداعات المسرحية الإنسانية -بما فيها العربية- من خلال واقع انتقال الخبرة والمعرفة، وإعادة توزيعهما عبر المعمور عن طريق تبادل الأشكال الإبداعية، واقتراضها وتداولها من طرف الثقافات والحضارات المختلفة، من دون إغفال جانب الهيمنة الذي غالبا ما يتعلق وينتقل مع هذا النوع من التعاطي الذي يَنْتُجُ عنه نوع من التناسج الثقافي؛ وذلك كله اعتمادا على مواقف الطرف المستورد لثقافة عرض معينة.لأن المسارح تُعدُّ ملتقيات طرق لثقافات العالم المتعددة، ونقاط التقاء تلعب فيها الحركية والترجمة أدوارا هامة في تناسج ثقافات الفرجة وفي التبيئة الثقافية؛ ذلك أن المسارح فضاءات بينية للاحتكاك الثقافي، تسهم في بروزها كل من الأمكنة التي تلتقي فيها الثقافات المهاجرة.
محاور نقاش الجلسات العلمية لهذه الندوة، تناولت مختلف الجوانب التي تلامس صميم الموضوع، حيث ناقشت سُبل بناء ثقافة فرجوية كونية تتجاوز قيود الإمبريالية الكونية، وكيف تنتقل تقنيات الجسد في المسرح والرقص وباقي فنون الأداء عبر البلدان، كيف يكون الأداء مقابل السلطة نقدا للهجنة، كيف نؤطر الممارسة المسرحية ما-بعد المستعمرة.. إلى جانب نقاشات أخرى تناسلت من رحم قاعة الندوات في كل جلسة.
وقد خلص المتدخلون إلى أن المسارح لم تكن في يوم من الأيام بنيات ثقافية ثابتة، ومنغلقة، أو مكتفية بذاتها كليا؛ بل كانت وما تزال ‘فضاءات للتفاعلات المُربكة’ ومجالات تلتقي فيها الحقائق الانتقالية وتتقاطع باستمرار. وتعد المسارح أيضا ملتقيات طرق لثقافات العالم المتعددة، كما أنها نقاط التقاء تلعب فيها الحركية والترجمة أدوارا هامة في تناسج ثقافات الفرجة والتبيئة الثقافية. هكذا، تتخطى الثقافات المسرحية مواقعها الثابتة؛ ذلك أن المسارح فضاءات بينية للاحتكاك الثقافي تسهم في بروزها كل من الأمكنة التي تلتقي فيها الثقافات المهاجرة والأشكال المسرحية الهاربة. والمراد من استعارة ‘الأشكال المسرحية المهاجرة’ هو تسليط مزيد من الضوء على فضاءات الاحتكاك بين ثقافات فرجوية مختلفة، وما يترتب عن تفاعلاتها من ‘تلق منتج’ بوصفه الوجه الآخر للأشكال المسرحية المهاجرة؛ إذ يتيح هذا التلقي المنتج لعناصر من الثقافات الفرجوية الأجنبية إمكانية التحول الثقافي من خلال سيرورة العرض المسرحي. فيصبح المسرح الخاص بنا، ومعه ثقافتنا برمتها، أكثر انفتاحا ورحابة. ولعل إمعان النظر في الكم الهائل من الخبرات الأدائية المتراكمة عبر العصور يؤكد قوة استعارة ‘الأشكال المسرحية المهاجرة’. فبالرغم من كون التركيب البنيوي للجسم الإنساني موحدا ومتشابها، إلا أن تقتيات الجسد بوصفه أخص من الجسم، مكتسبة؛ إذ تختلف من جسد لآخر. والحال أن هذه التقنيات المكتسبة قابلة للانتقال والهجرة، بما في ذلك الخبرات الأدائية شديدة الدقة كتلك التي يتمتع بها مؤدو البالي أو الكاتاكالي.
هذا وقد نُظم المهرجان في فضاءات مختلفة، منها ما هو مغلق كقاعات متحف القصبة بطنجة، ومسرح جامعة نيو إنجلند، وقاعة الندوات برحاب كلية الآداب بتطوان، ومسرح للا عائشة بمدينة المضيق، وفضاء المفوضية الأمريكية بطنجة المدينة، وقاعة الندوات بفندق شالة بطنجة، وقصر المؤتمرات بطنجة، وقاعة رياض السلطان (متحف القصبة)، وما هو مفتوح كساحة المشوار بالقصبة، وساحة فارو، وساحة الأمم، ومواقع أخرى بمدينتي طنجة وتطوان… وما تعدد الفضاءات هنا، إلا حرصا من إدارة المهرجان والمركز الدولي لدراسات الفرجة، على استفادة مختلف الفئات المجتمعية المستهلكة للخطاب الفني والثقافي في جهة طنجة تطوان الحسيمة، من عروض المهرجان وندواته وإصداراته.
- تكريم الباحثة الألمانية كريستل فايلر والمسرحي المغربي محمد بهجاجي.
بتاريخ الجمعة 24 نوفمبر 2017، وابتداء من الساعة السادسة والنصف مساء، انطلقت فعاليات الدورة الثالثة عشر لمهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية بالجامعة الأمريكية نيو إنجلند بتكريم شخصيتين اثنتين؛ ويتعلق الأمر بكل من الباحثة الألمانية كريستل فايلر والمسرحي المغربي محمد بهجاجي.
وخلال تقديمه للشخصية المكرمة الأولى، قال مدير هذه الدورة المبدع محمد قاوتي، أن تكريم الباحثة الألمانية كريستل فايلر في هذه الدورة يأتي لاعتبارين أساسين: الأول؛ هو أنها ومنذ مشاركتها في فعاليات الندوة العلمية لطنجة المشهدية سنة 2009، وهي حريصة على مواكبة النقاشات التي يطرحها المركز الدولي لدراسات الفرجة بمعية شركائه العلميين. والاعتبار الثاني، لارتباط اسمها بالتحدي من داخل فن المسرح بوصفه تحفيزا للذات على تجاوز ما هو ثابت فيها، حيث وصل تأثيرها في كل من يتلقى خطابها الواعي عنه إلى مداه الأقصى وهو يشاركها إقامتها الدقيقة في عروضه على الخشبة؛ لأن حديثها عنه عن بلاغة تفاصيله يشبه حديثا عن الأغوار لما تتمتع به من عمق في الرؤيا والانسلال إلى خفايا العرض وبواطنه. وقد يشعر المرء- في بداية حديثها- بحالة من الدهشة وهو يصغي إليها؛ لأنها تلتقط بذكاء نقدي يمكن أن تتحول معه الانطباعات إلى أثر جميل في المتلقي، ولاسيما مع حفرياتها المخصوصة التي تجعل هذا الملتقي مشدوها أمام نفسه عندما يعجز عن استيعاب تلك الانطباعات.
وقد أشار في معرض حديثه عن المحتفى بها إلى أنها عملت بشكل فعال في تأسيس قسم المسرح بجامعة برلين الحرة، حيث شاركت في صياغة أسئلة البدايات عن طريق حوارات بناءة ومثمرة، ليس مع زملائها وطلابها فقط، وإنما أيضا مع الفنانين، والمخرجين، والسينمائيين، والممثلين..
أما بالنسبة لمحمد بهجاجي، فقد جاء تكريمه أيضا لاعتبارين أساسين؛ أولهما، أنه من أصدقاء المهرجان الأوفياء الذين ساهموا في إنجاح عدد من المحطات التي لا يمكن نسيانها من تاريخ طنجة المشهدية، خاصة خلال تكريم المسرحية الرائد ثريا جبران، والمسرحي والممثل السينمائي الكبير محمد مفتاح.. وثانيهما، لكونه واحد من الأسماء التي ساهمت في إثراء المشهد المسرحي تأليفا، تدبيرا وتأطيرا. حقق زخما إبداعيا وازنا في الكتابة للمسرح تأليفا واقتباسا، إضافة إلى مسار طويل في الكتابة النقدية التي تميزت طوال هذه الفترة بعمقها ورزانتها. وبالإضافة إلى ذلك، مكنه عمله في حقلي الإعلام والثقافة، من محاورة وجوه فكرية وسياسية متعددة، ومن تسجيل مذكرات مفكرين وفنانين، ومن حضور ومتابعة مجموعة من التظاهرات الوطنية والعربية والدولية.
بعد تلسيم درع المهرجان للمحتفى بهما وانتهاء مراسيم التكريم، كان جمهور طنجة المشهدية على موعد مع عرض الافتتاح المفتوج في وجه العموم، عرض “خريف” لفرقة أنفاس، وهو عرض من تأليف فاطمة الهوري، دراماتورجيا وإخراج أسماء الهوري.
خريف، عرض يحمل إلى الركح حالة استبطان، من خلال بوح امرأة يكشف لنا يومياتها المحمومة والهشة، المكررة والمقتضبة. «خريف» هو نشيد ملحمي يمجد الحياة ويسخر من الموت. وهو توالد فني يعبر الجسد إلى ما لا نهاية، حيث تنفجر الحواس لتقترح إعادة التفكير في الاحتفال بشكل أفضل بالحياة.
بعد عرض خريف، بقاعة ساحة المشور بمتحف القصبة، عرضت فرقت داها واسا مونودراما سيلفي من توقيع أحمد حمود ونعيمة أولمكي، وهو عرض يحكي معاناة المرأة مع العلقية الذكورية المتسلطة، متبنيا موقفا من العقلية الذكورية (من خلالة قص طبيبة بيطرية درست في الخارج ورفضت الزواج المنبني على المصلحة لتجد نفسها متقدمة في السن)، وفي الآن نفسه موقفا ساخرا من منطق الفيمينيزم..
بتاريخ السبت 25 نوفمبر 2017، وعلى الساعة التاسعة صباحا افتتح الدكتور خالد أمين رئيس المركز الدولي لدراسات الفرجة ومنسق الندوة العلمية بمعية الشخصية المكرمة الباحثة الألمانية كريستل فايلر أشغال المؤتمر الدولي لسنة 2017. بمشاركة ماتياس وارستات رئيس معهد علوم المسرح بالجامعة الحرة برلين، ألمانيا الذي قدم محاضرة افتتاحية حول موضوع “آفاق خلق الاتصال والاحتكاك: المسرح التطبيقي وجمالياته”..
في الصبيحة نفسها، وقبل انطلاق أشغال الجلسة العلمية الأولى، تم تقديم كتاب “أبحاث في المسرح المغربي” للكاتب الباحث محمد النوالي من مدينة وجدة، وقدمه الباحث محمد العناز.
انتقال تقنيات الجسد (في كل من مجالي المسرح والرقص) عبر الأجيال والأعراف محور نقاش الجلسة الأولى التي ترأسها الباحث العياشي الحبوش من كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس، المغرب. حيث تناولت بالدرس والتحليل خمسة محاور أساسية: كتابة الآخر في كلتيس، تطرق له الناقد والكاتب المسرحي كمال خلادي من المغرب؛ “النبيذ ليست هي الكلمة المناسبة. كان يجب عليها أن تقول “التين المخمر”: ترجمة عبر ثقافية في الحكي القصصي المغربي، وتطرقت له الباحثة إيرين جولد من قسم الأنثروبولوجيا، جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد، الولايات المتحدة الأمريكية؛ و”المسرح والهجرة” الذي تناولته الباحثة بشرى السعيدي أستاذة الدراسات المسرحية، جامعة مولاي إسماعيل، الرشيدية؛ وأيضا “فجائية الفضاء المتأثر بالواقع في عروض جورجن كروس وبرونو بيلتاو” وتناول هذا الموضوع فريثوين واغنر ليبوك باحث في سلك دكتوراه، الجامعة الحرة، برلين، إضافة إلى محور “ممارسات أدائية هاربة من يوغوسلافيا السابقة” قدمه أندريه ميرسيف أستاذ زائر، قسم التمثيل والإعلام، جامعة رييكا وزميل باحث في مركز تناسج ثقافات الفرجة في برلين.
بعد زوال اليوم نفسه، وابتداء من الساعة الثانثة والنصف، انطلقت أشغال الجلسة الثانية التي تناولت موضوع التعاون الدولي وسياسة المعاملة بالمثل. وقد ترأست أشغال هذه الجلسة شخصية الدورة الباحثة الألمانية كريستيل فايلر. حيث تناولت الباحثة إيرين فرنانديز راموس من سواس لندن بمشراكة كريستين فلاد من برلين موضوع “ركوب الحرية: “المقاومة الثقافية المتنقلة” والاحتكاكات العالقة”
فيما تناولت أستريد شينكا (باحثة مشاركة في المركز الدولي للدراسات المتقدمة في “ثقافات تناسج الفرجة” ألمانيا) موضوع “مشاهدة شخص ما ينتظر”، وتطرق ستيفان دوناث (باحث مشارك في المركز الدولي للدراسات المتقدمة في “ثقافات تناسج الفرجة” ألمانيا)” إلى “كورسات الاحتجاج: نحو جمالية جديدة للمقاومة”؛ فيما تطرقت تورستن جوست (معهد الدراسات المسرحية ببرلين وباحث مشارك في المركز الدولي للدراسات المتقدمة حول “ثقافات تناسج الفرجة” ألمانيا) إلى “آفاق تنوع” و”مخاوف التناسج”: المصادر والتمفصلات والآثار، أما ليلى الطيب (جامعة نورث وسترن، الولايات المتحدة الأمريكية): فتناولت موضوع “ركوب مع الباندا ورئيس الوزراء: الموسيقى في ليبيا، 2013-17”
خلال الفترة المسائية، وابتداء من الساعة الخامسة ، تم تقديم ثلاث إصدارا جديدة من إصدارات المركز الدولي لدراسات الفرجة، ويتعلق الأمر بكتاب “محمد بهجاجي”، وكتاب “حسن يوسفي”، وكتاب “رشيد دواني”.
مساء اليوم نفسه، بملعب الجامعة الأمريكية (في الهواء الطلق) تم تقديم عرض Clôture de l’amour لفرقة مسرح Le lion sous la lune، وهو نص كتبه باسكال رامبرت Pascal Rambert في عام 2011، وقدم لأول مرة في مهرجان أفينيون مع أودري بونيه وستانيسلاس نوردي. وهو يتناول موضوع الفراق العاطفي. ويظل يعالجه ويعبر عنه إلى حين تستنفد اللغة طاقتها، وتستنفد الهيئات حالاتها.. كل شيء يبدأ مع رغبة الرجل، هذه الرغبة الغامضة، غير الدقيقة، ومع ذلك، لا مجال لأي استئناف… كيف يمكننا أن نعرف ما هو الحب وكيف يمكن للآخر أن يفهمه..؟ من خلال ما سنأتي به من تساؤلات، نود من المتفرجين أن يسألوا أنفسهم هذه أسئلتنا. ويعيشوا معنا، لحظة نفجار داخلي لزوجين، مع أننا لا نتمنى لهم أن يعيشوا ذلك في واقعهم.
بعد ذلك، وبقاعة عروض الجامعة الأمريكية بطنجة دائما، تم تقديم مسرحية Une Grenade Eclatée لفرقة مسرح الأندلسla compagnie du Théâtre Al Andalus وهي عرض يأخذنا من جهة في رحلة حلم بين نص شعري ماتع، وعزف آسر على الكمان، بالإضافة إلى لوحات كاليغرافية ساحرة…، رحلة قصيرة إلى أرض العبثية الدينية في غياب ربيع حب..، رحلة قصيرة، لكنها مستمرة في الجدال ومحاولات الإقناع التي يزيد عمرها عن ثلاثة قرون… محاولات عبور هذا التاريخ الذي لم يعد يُصدَّقُ مع كل هذه الدراما التي يكتبها التعصب الديني.. إنها رحلة بمثابة دعوة إلى التسامح.
بعدها مباشرة، وبفضاء متحف القصبة، تم تقديم مسرحية “العريس” المقتبسة من رواية العريس للروائي المغربي صلاح الوديع، من توقيع مؤسسة أرض الشاون للثقافات. العرض من إخراج الفنان ياسين أحجام، دراماتورجيا المبدع أنس العاقل، وهو تجربة مسرحية مستجدّة للتعامل مع الرواية المغربية الحديثة. وفي الوقت نفسه، هو صور متداخلة من ماض أليم جدا يبرز حقبة سنوات الرصاص بأوجاعها الجماعية والتي ظلت محفورة في ذاكرة الوطن. وتظلّ وجهة نظر الأديب صلاح الوديع ملقية بظلالها على أجواء الفرجة المسرحية بنفس ساخر جدا أقرب ما تكون إلى كوميديا سوداء أو بمعنى آخر ضحك كالبكاء .
بتاريخ الأحد 26 نونبر 2017، وخلال الفترة الصباحية، قدم “فيمي أوسوفيسان” (شاعر، كاتب، ممثل، مدير شركة، صحفي وباحث من نيجيريا) المحاضرة الافتتاحية الثانية حول موضوع “المحلي والعالمي: طبخ المسرحية الغربية في وعاء التناسج”، وقد ترأس هذه الجلسة سولا أديمي (جامعة غولدسميث لندن، المملكة المتحدة ومركز البحوث الدولية، الجامعة الحرة، برلين) الذي قدم بدوره مداخلة تحت عنوان “تردد صدى الماضي لتباحث مشهد ما بعد المستعمرة”.
الانتقال الأدائي والتلقي المنتج، محور نقاش الجلسة الثالثة من فعاليات المؤتمر الدولي، وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور حسن يوسفي (أستاذ باحث، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب)، وعرفت مشاركة كل من فضل الله أحمد عبد الله (أستاذ بكلية الموسيقى والدراما – جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا) ومحمد نوالي (أستاذ الدراسات المسرحية، كلية الآداب، وجدة، المغرب) الذين تنوالا موضوع “الجسد المسرحي”و “مفترق طرق الثقافات”، والتونسية سمية الحاج عمر (باحثة بسلك الدكتوراه) التي تناولت موضوع “الشكل الحركي لأداء العرائسي في عروض الدمى الحديثة” وبلقيس هرماسي حرم التوزاني (باحثة بسلك الدكتوراه، من تونس أيضا) التي تناولت “ثقافة الصورة وتأثيرها في إعادة كتابة تاريخ المسرح”، وفاطمة اكنفر (باحثة بسلك الدكتوراه، كلية الآداب، الرباط، المغرب) التي تطرقت إلى موضوع “تناسج الثقافات الفرجوية بين الشرق والغرب: نحو رؤية كونية جديدة”
بعد زوال اليوم نفسه، وابتداء من الساعة الثانية والنصف، انطلقت أشغال الجلسة الرابعة حول موضوع الممارسة المسرحية في “ما بعد المستعمرة”: التلقي المنتج والتفاوض على المعنى / السلطة. وقد ترأس هذه الجلسة الدكتور خالد أمين، بمشاركة كل من هشام بلهاشمي (باحث مسرحي، جامعة ابن طفيل، القنيطرة): “الهجنة المسرحية: بين الامتزاج الثقافي وقلق تعدد الهويات”، محمد جلال أعراب (أستاذ باحث، جامعة ابن زهر، أكادير، المغرب) الذي تناول “نقد المركزية وهجرة المسارح إلى الهامش: نماذج من الجماليات البديلة”، وأحسن تليلاني (أستاذ باحث وعميد كلية الآداب، جامعة سكيكدة، الجزائر) الذي قدم قراءة حول “المسرح العربي المهاجر في أوروبا” مسرحية الحريق نموذجا، وكذا الباحث ضياء حجازي (فنان / باحث، العراق / السويد) الذي تناول “حركية الفرجة المسرحية”.
مساء اليوم نفسه أيضا، وابتداء من الساعة الرابعة والنصف، تم تقديم كتاب آخر، ويتعلق الأمر بآخر إصدار للمسرحي عبد الواحد عوزري، لتنطلق بعد ذلك مباشرة أشغال الجلسة العلمية الخامسة حول محور مناطق الاتصال والاحتكاك. وقد ترأس هذه الجلسة نيكولاوس مولر شول (رئيس الدراسات المسرحية ورئيس برنامج ماجستير في الدراماتورجيا بجامعة جوته في فرانكفورت، ألمانيا)، حيث عرفت مشاركة كل من عمر فرتات (محاضر في جامعة بوردو – مونتين، فرنسا) بمداخلة عنونها بـ”بين العروض الزائرة والعروض المهاجرة”، وبيير كاتوسوسكي (محاضر في الدراسات المسرحية في جامعة بوردو مونتين، فرنسا) الذي تحدث عن “بيير باولو بازوليني (1922-1975): الاحتفال بالثقافات في عصر المثاقفة”، و البروفيسور كمال الدين نيلو (مدير وباحث، مركز دراسات إبسن، جامعة أوسلو / مركز البحوث الدولي “تناسج ثقافات الفرجة”، الجامعة الحرة، برلين)، والذي نطرق إلى “رحلة التحول من صنع عاصفة في هند ما بعد الاستعمار: أسطورة متوازية من التسلسل الهرمي” وزهير بن ترديت (أستاذ الدراسات المسرحية، جامعة قابس، تونس) الذي “مسرح الاستقلال التونسي بين تأكيد الخصوصية واستيعاب التقنيات الأجنبية”.
مساء نفس اليوم، قدمت فرقة مسرح “من أجل شعوب الجبال” عرضها المسرحي “نزف” بالجامعة الأمريكية نيو إنجلند، وهو مونودراما نص اشتغل على فكرة الكادر وعلى ما يقع داخله وما ينفلت خارجه، نص يعمل على النحو الذي تخضع له الحياة البشرية، مُقدما حكاية امرأة مسكونة بشخصيات ومعان تصور مقاطع من حياتها مع أرجوحة المعاني قبل أن تنتحر انتحارا خاصا وفريدا، امرأة تعيش حياتها كنزيف ليس بمعناه البيولوجي بل نزيف وجودي تبدأ فيه الأنا من آخر نقطة نزيف بمعنى أنها اختارت أن تسير لمواجهة اللامعنى عن طريق وعي صراع الأصوات في داخلها. النص من تأليف مولاي عمر علوي ناسنا، وإخراج وأداء الفنانة فاطمة عطيف
بعد ذلك، وبفضاء رياض السلطان، قدمت فرقة أكون عرضها المسرحي “صولو”، من إخراج محمد الحر، دراماتورجيا محمد الحر وهاجر الحميدي. والعرض، يستشكل اليوم أكثر من أي وقت مضى، أسئلة واقعنا، من خلال التشكيك في قوة الحيوية في مواجهة الظلام. نحن نعيش في مجتمع هش، أساسه النفاق، أساطير دين ملتوية، أفرغت من روحانياتها. “سولو” حكاية شرقية مليئة بالصور والشعر، قصة مقطوعة من خلال سرد باذخ، يسعى للحصول على هوية، وهو أيضا متعة حقيقية بعالم القسوة..
بتاريخ الاثنين 27 نوفمبر 2017، انطلق ضيوف المهرجان، خبراء وفنانين، تجاه كلية الآداب والعلوم الإنسانية مرتيل، حيث كل خصص لطلبة الكلية موعد مع المفكرة الفرنسية فلورانس دوبونت (أستاذة في جامعة باريس ديديروت، مديرة البرنامج السابق في الكلية الدولية للفلسفة، فرنسا) التي قدمت عرضا حول المسرح وأسئلة الأصول، مجيبة عن سؤال “هل اخترع الإغريق المسرح؟ فخ الأصول”. وقد ترأس أشغال هذه الجلسة الباحث عمر فرتات (محاضر في جامعة بوردو – مونتين، فرنسا) بمشاركة بيار كاتوسوسكي ومحمد سيف، ليتم بعد ذلك تقديم كتاب (فلورنسا دوبون، بيير كاتوسوسكي، مارجوري بيرتان ومحمد سيف.
منتصف نهار اليوم نفسه، تم تقديم الجلسة العلمية السادسة حول موضوع “الحياة والخصومات من المسرح إلى السينما”، هذه الجلسة التي ترأسها حميد العيدوني (رئيس تكوين وحدة البحث في الدكتوراه حول السينما والمسرح) والتي تميزت بحضور وازن للفنانة المغربية لطيفة أحرار التي تحدث عن مساريها التكويني والفني وتقاطعات أدائها بين السينما والمسرح…
في الفترة الزمنية التي ذهب فيها بعض الخبراء والفنانون إلى مارتيل، كان آخرون في طريقهم إلى المديرية الإقليمية الفحص أنجرة للتربية والتعليم، وإطار مشروع نقرة الحمامة لنبذ العنف في الوسط المسرحي الذي أطلقه خلال موسمه الماضي، حيث تم تقديم ورشة عمل حول الأقنعة من تأطير الفنانة الفرنسية جويل ريشيتا وقد نشط الورشة كل من محمد الوهابي وبدر الدين شراب عن مكتب المركز الدولي لدراسات الفرجة ونيابة تعليم الفحص أنجرة.
وفي السياق نفسه، تم تقديم كتاب الدكتور محمد جلال أعراب، وأيضا وورشة حول نبذ العنف في الوسط المدرسي مساء نفس اليوم، قدم الفنان التونسي/ الفرنسي رضوان المؤدب ماستر كلاس حول الرقص والجسد بالجامعة الأمركية، بحضور ضيوف الندوة وكذا الفنانين المسرحيين الذي استفادوا من ورشته التكوينية في الرقص والكوريغرافيا طيلة أيام المهرجان.
بعد ذلك، وفي فضاء رياض السلطان بالقصبة، قدمت شركة مسرح أفروديت عرضها ما قبل الأول “في انتظار عطيل” و هو عمل يتطلع إلى استلهام الأسئلة التي يطرحها شكسبير في نص يسائل الآخر المغاير من منظور غربي متعال، ولكن أيضا، وعبر الحبكة، يعري الخبيء من الشر لدى عطيل حين يستيقظ لديه فيقوى على القتل العمد بسبب الغيرة المدمرة. هل كان للمغربي أن يتنصل من السياقات الثقافية التي جعلت من مسألة المساس بالشرف موجبة لسلب الحياة لكائن مشكوك في خيانته، والتخلي عن مسار حياة بكاملها والدفع بها نحو تراجيديا مؤلمة، مقابل انتمائه الجديد لمجتمع مبني على العقلانية. هل كان له أن يدفن إحساس الدونية الذي شككه في قدرة محبة دزدمونة له لما هو عليه وليس لمجرد سحر حكاياه وغرائبيتها؟ إن صراع المصالح المحتد عبر العالم يحاول أيضا رسم هذه الصورة المقزمة للآخر ويجتهد في صناعتها وتثبيتها والمتاجرة بها. المسرحية، من دراماتورجيا، سينوغرافيا وإخراج الفنان عبد المجيد الهواس.
بتاريخ الثلاثاء 28 نونبر 2017، وابتداء من الساعة الثامنة والربع صباحا، انطلقت أشغال الجلسة العلمية السابعة حول موضوع الأداء والترجمة، وقد عرفت هذه الجلسة التي ترأسها الدكتور خالد أمين مشاركة الباحثة الشابة رجاء خلوفي (باحثة بسلك الدكتوراه، كلية الآداب، مرتيل) التي تناولت مسرحية “زنقة شكسبير بين الترجمة وإعادة الكتابة”، وكذا محمد المجدقي (باحث بسلك الدكتوراه، كلية الآداب، تطوان) الذي قدم ورقة بعنوان “النقل الثقافي لشكسبير في المسرح العربي: مشاكل في ترجمة شكسبير”، وعبد الرحيم الوهابي (باحث بسلك الدكتوراه، كلية الآداب، تطوان) الذي تطرق إلى “التلاقح في المسرح المغربي: الاحتكاك المابيني الثقافي”، وعبد المجيد الصيد (باحث بسلك الدكتوراه، كلية الآداب، تطوان) الذي تناول “مفاهيم مسرحية في تحول”.
بعد الجلسة الأخيرة مباشرة، تم تقديم مشروع نقرة الحمامة (في مرحلته الثانية) من طرف إلنيل ستانتون وخالد أمين، ثم تقديم محاضرة أدائية من طرف الباحث والمسرحي العراقي السويدي فاضل الجامف، وهي عبارة عن عرض ومناقشة مسرحية ألف ليلة وليلة التي اشتغل عليها الجاف معتمدا على تقنيات من أصول مختلفة.
زوال اليوم نفسه، تم تقديم وتوقيع آخر إصدارات أستاذ الأجيال الدكتور حسن المنيعي، ويتعلق الآمر بكتابه الصدار عن المركز الدولي لدراسات الفرجة “شعرية الدراما المعاصرة”، بحضور نخبة من الفنانين والباحثين المسرحيين المغاربة والأجانب. ليلقي بعد ذلك الدكتور أنور مجيد الرئيس المؤسس لجامعة نيو إنجلند بطنجة محاضرة ختامية عرفت تفاعلا ونقاشا مستفيضا مع ضيوف المهرجان، تلاها عرض مسرحية “الخادمتان” للمسرحي العراقي جواد الأسدي. وهو عرض يقوم على لعبة التعرية والسخط والنبش عن المسكوت والمؤجل المزمن الذي حول أنوثة وحياة الخادمات إلى درجة عالية من الهتك اليومي فالخادمات يوميا يستخرجن من خزانة السيدة ملابسها وإكسيسواراتها وعفنها وشبوهاتها ويبدأن في لعبة تبادل النبش والحفر في جوفهن التواق إلى إطاحة موروث طويل من الانسحاق تحت استبداد وعجرفة السيدة التي لا تظهر في العرض أبدا حيث أنها تتساكن معهن وتسلب ملذاتهن إنها لعبة الاضمحلال والتلاشي تحت ضربات قطار يمر يوميا ليخترق ويزعزع أرواحهن في لعبة الشهية في البحث عن الحرية.
العرض ما قبل الختامي، كان من توقيع مصري-دانماركي، بنعوان “الجسم الآخر”، وهو عبارة عن محاضرة أدائية تجمع بين الرقص والأداء، وتقدم مجموعة من البيانات حول تيمات متشابكة ومعقدة، من قبيل: الثورة، الأنوثة، الاغتراب، التحيز الجنسي، والحلم بمستقبل أفضل، تقدمه الفنانة المصرية نورا أمين بتعاون مع المدرب الدنماركي ريومرت، ومصمم الرقصات يعقوب ستِيج.
حفل اختتام المهرجان، قدمته فرقة “ترييو طنجيس” برئاسة الفنان الموسيقي علي بنسعيد، بفضاء المفوضية الأمريكية بالمدينة العتيقة لطنجة، والعرض عبارة عن حوارية موسيقية بين العود والجيثار والإقاع، من تأليف الفنان علي بنسعيد، تقدمها الفرقة الموسيقية “ترييو طنجيس”، التي تشتغل على حوار الثقافات من خلال نسج معزوفات موسيقية، تمتزج فيها موسيقى الشعوب الأصيلة مع الموسيقى المعاصرة الكونية.. ثرييو طنجيس: يدعونا دائما للسفر عبر عوالم الموسيقى إلى المطلق في الجمال.
تقرير: أحمد فرج الروماني